

في زمنٍ تتسابق فيه اللحظات وتضيق فيه المسافات، أصبحت العلاقة الزوجية أكثر هشاشة أمام ضغط الإيقاع السريع للحياة. كأن كل شيء يُستهلك بسرعة: الوقت، والاهتمام، وحتى المشاعر. لم يعد الخلاف بين الأزواج نادرًا، لكنه أصبح أسرع اشتعالًا وأقصر صبرًا. في خضم هذه العجلة، يظهر الإرشاد الأسري كمساحة هدوءٍ وسط ضوضاءٍ لا تنتهي، كصوتٍ يقول للزوجين: تمهّلا قليلًا، فالعلاقة لا تُقاس بعدد الأيام، بل بعمق الفهم. فأغلب ما يضعف البيوت لا يكون خيانةً أو تقصيرًا متعمّدًا، بل سوء تواصلٍ متكرر، وصمتٌ طويل يُفسَّر، وحديثٌ قصير يُساء فهمه. الإرشاد الأسري هنا ليس ترفًا، بل تدريبٌ على “الفهم قبل الردّ”، وعلى “الإصغاء قبل الدفاع”. إنه مساحة يتعلّم فيها الزوجان أن الاختلاف ليس تهديدًا، بل فرصة لاكتشاف الآخر، وأن إدارة الانفعال مهارة تحفظ الودّ أكثر من أي اعتذارٍ متأخر. في الماضي، كانت البيوت تتعلّم من التجربة والزمن؛ من الجلسات الطويلة، ومن صبرٍ كانت تمليه البساطة. أما اليوم، فقد أصبح كل شيء أسرع: خلافات تُدار عبر الرسائل، ومشاعر تُطفأ بزرّ الحظر، حتى صار اللجوء إلى المختص ليس ضعفًا، بل ذكاءً عاطفيًا. الإرشاد لا يصنع الحب، لكنه يُنضجه. يعلّم الزوجين كيف يتحدثان دون جرح، وكيف يصمتان دون جفاء، وكيف يظلان على مقربة رغم المسافات النفسية. في زمن السرعة، نحن لا نحتاج إلى مشاعر أكبر، بل إلى وعيٍ أعمق يحمينا من الاستنزاف العاطفي، وعيٍ يعيدنا إلى معنى “المودّة والرحمة” التي جعلها الله جوهر الزواج لا زينته. فالإرشاد الأسري ليس ترفًا اجتماعيًا كما يظن البعض، بل ضرورة بقاءٍ إنساني في عالمٍ يُهدر فيه الإنسان طاقته العاطفية دون أن يشعر. إنه الفرصة الأخيرة للعودة إلى جوهرنا قبل أن تبتلعنا السرعة وللتذكير بأن أكثر البيوت إشراقًا، ليست تلك التي تضيئها المصابيح… بل التي يُنيرها وعيّ ساكنيها.